اللغة الوسيطة, مالـها, وما عليها (الجزء الاول)

تقديم :

اللغة الوسيطة هي استعمال لغة أخرى غير الهدف وسيلة لتعليم اللغة الهدف- اللغة العربية, وقد تكون هذه اللغة الوسيطة اللغة الأم للدارسين, وقد تكون لغة مشتركة يفهمها الدارسون مع اختلاف لغاتهم الأم, وقد تكون لغة يظن أنـها شائعة, ويفترض مستخدمها أنـها ستفيد للدارسين في تعلم اللغة الهدف.

وسنركز في بحثنا هذا على استخدام اللغة الوسيطة في كتب تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بـها. وسنتناول هذا الموضوع ضمن النقاط التالية:

 

1 – مجالات استعمالـها:

يختلف المؤلفون في حجم استعمال هذه اللغة الوسيطة, وفي المجالات التي يرى أنه بحاجة إليها فيها, ومن هذه المجالات:

في شرح مفردات الكتاب.

في بيان التراكيب اللغوية وترجمتها.

في إعطاء التعليمات لنصوص الكتاب وتدريباته.

في ترجمة كامل نصوص الكتاب.

في ذلك كله عند بعضهم.

يستخدمها المدرس في الفصل, وإن لم تكن مثبتة في الكتاب, وهذا خارج عن مجال تركيزنا الآن.

 

2 – مبررات استعمال اللغة الوسيطة عند مستخدميها في كتبهم:

لتوضيح المعنى.

لتقريب المعنى.

لتوفير الوقت.

لتوفير الجهد.

لتسهيل تعلّم اللغة.

لسرعة تعلّم اللغة .

لإراحة المعلم من بذل الجهد في التدريس.

لإراحة الطالب من بذل الجهد في التعلّم.

للتعويض عن فقد غيرها من الوسائل المعينة كالصور .

لتسويق الكتب على غير العارفين في الغالب .

لاستعراض القدرة على استخدام اللغة الوسيطة من قبل المؤلّف .

وقد يهدف المؤلف إلى التقليل من قدرة اللغة الهدف على الاستقلال في البيان.

وقد يهدف المؤلف إلى الإيحاء بصعوبة اللغة الهدف.

 

3 – مبررات المانعين لاستخدامها في الكتب:

تثبيت الكلمة العربية في ذهن الدارسين.

صلاحية الكتاب لمختلف اللغات والجنسيات.

تدريب الدارسين على بذل الجهد في اللغة الهدف.

تدريب الدارسين على التفكير في اللغة الهدف.

استخدامها يفقد الدارسين التركيز على اللغة الهدف.

استخدامها يؤخر عملية التعليم, فما يتعلم سريعا دون تفكير يفقد سريعاً.

استخدامها يعيق تعلم اللغة الهدف.

في تركها بعد عن مزاحمة اللغة الهدف .

في تركها بعد عن الغيحاء بعد استقلالية اللغة الهدف في البيان.

في استخدامها تقليل من شأن اللغة الهدف. 

بل في استخدامها احتقار للغة الهدف، واتـهام لـها بالصعوبة, وبأنـها غير مستقلة في بيان المعنى ونحن لا نزعم أن النقطتين الأخيرتين مراد لكثير من معدي الكتب, ولكنهم قد وقعوا بـها دون أن يشعروا, وبالمقابل فهناك طائفة قد استقر في ذهني هذا الأمر وقد أرادته.

مع الوسيطة لا قيمة لإخراج الكتب مع الصور إلا لأمر شكلي وجمالي .

الآثار السلبية الناتجة عن استعمالـها.

استخدامها يقود إلى التوسع والعلو في استخدامها, ولذ فإنـها تتحول عند بعضهم من مجرد وسيلة إلى غاية مرادها بذاتـها, حتى ولو كان في الموقف استغناء عنـها.

أن غالبية من يستعملها يكون هدفه التجارة أكثر من تعليمي.

أن الذين يقبلونـها غالباً من غير المختصين, وما وقع فيها من المختصين إنما فعلوا ذلك لأنهم رأوا السوق يطلب ذلك, فأعطوه ما يطلبه لا ما ينبغي وما ذلك إلا لغرض تجاري.

يكتسب الأطفال لغتهم الأم دون ترجمة، وطالما أنهم استطاعوا أن يتعلموها دون ترجمة ، ففي الإمكان فعل نفس الشيء عند تعلم لغة أجنبية .

 

4 – مَن يستخدم اللغة الوسيطة غالبا:

غير المختص بتعليم اللغة لغير أهلها .

من ينظر إلى اللغة الهدف نظرة دونية .

من يريد استعراض معرفته بلغة أخرى .

من لا يريد بذل الجهد في استخدام الوسائل المغنية عنها .

من يريد تسوبق كتابه على غير العارفين بأصول تعليم اللغة.

من يريد الربح السريع بأقل جهد.

من هدفه الإيحاء بصعوبة اللغة الهدف.

الانهزامي الذي يحتقر ما لديه ويغرم بما لدى الآخرين .

 

5 – الغلو في استعمال اللغة الوسيطة:

كما سبق في مجالات استعمال هناك مجموعة من الكتاب يغلون في استعمالـها؛ حيث يوردونـها ترجمة لكل شيء أو لأغلب الأشياء, وحيث يوردونـها مع عدم الحاجة إليها لقيام وسيلة أخرى مثل الصورة مقامها, ويكررونـها كلما تكرر اللفظ العربي, بل إن القارئ لبعض صفحات هذا النوع من الكتب يكاد يحر أيها اللغة الهدف وأيها اللغة الوسيطة حيث تبدو الصفحة مقسمة إلى عمودين الأيمن للعربية والأيسر للوسيطة, وإذا كان هناك صور فإنـها تتوسط هذين العمودين.

ومن هنا تشعر بأن هذا النوع من الكتب كأنـها معاجم ثنائية اللغة, كما تشعر بأن هذه الوسيطة وهي مجرد وسيلة في الأصل تتحول إلى هدف؛ حيث يتم التركيز عليها.

ومن الأمثلة على ذلك –والأمثلة كثيرة- برنامج صخر لتعليم اللغة العربية للإنجليز, فتجد مثلاً على يمين الصفحة كلمة "تفاحة" وفي الوسط صورة لتفاحة, وفي اليسار ترجمة كلمة تفاحة إلى الإنجليزية...وهكذا. وفي هذا المقام لسائل أن يسأل, هل معنى كلمة "تفاحة" سيبقى بعيداً عن الصورة؟ إذا كان كذلك فلما وضع الصورة؟ أ وسيلة أم حِلية؟ قد تكون حلية وإخراجاً, وفي هذا مزيد من التكاليف التي لا معنى لـها: إلا لمجرد التشويق ... صحيح أن دلالة الصورة ليست قطعية مائة بالمائة وهذا أمر طبعي فليس في هذا المجال قطعيات إلا القليل, وعليه فيكتفى بغلبة الظن.

ونحن في هذا المقام لا نقصد ما شاع في الأسواق مما يدّعي أنه لتعليم اللغة بثلاثة أيام, تلك الكتيبات التجارية التي هي أشبه بمعاجم ثنائية اللغة لبعض الألفاظ الشائعة في المواقف الشائعة حيث يذكر لفظ اللغة الهدف, وبمقابله ترجمته إلى حيث يذكر لفظ اللغة الهدف, وبمقابله ترجمته إلى اللغة الوسيطة أيّاً كانت, وغالباً تكون الإنجليزية. ومثل هذه الكتيبات: تعلم الإنجليزية بثلاثة أيام, وتعلم الفرنسية بثلاثة أيام...وهكذا.

وإن الناظر في عناوين بعض الكتب, من مثل: العربية للإنجليز, يتبادر إلى ذهنه ما يقتضيه أصول تعليم اللغات أحيانا من النظر في التقابل اللغوي بين اللغتين, اللغة الهدف, واللغة الأم للمستهدفين, ليبدأ الكتاب بما يتفق عليه وما هو مشترك ويؤجل غيره تسهيلاً للدارسين. كما أنه ينبغي دراسة مجتمع المستهدفين ليبدأ الكاتب بالمواقف اليومية الشائعة في مجتمعهم, وليبلي حاجاتهم وأهدافهم؛ فلذلك ادّعى إلى معرفة اللغة وسرعة تعلمها.

ولكن –ويا للأسف- فإن كثيراً من كتب تعليم اللغات التي تغلو في استعمال اللغة الوسيطة لا نرى فيها أثراً لما سبق من نتائج التقابل اللغوي, بل المسألة ترجمة العربية إلى الإنجليزية, ومن ثم فإن الكتاب نفسه يمكن أن يعاد إخراجه إلى كثير من اللغات, وما على الكاتب إلا أن يغير اللغة الوسيطة مع ثبات اللغة الهدف.

 

 

6 – بين تعليم العربية وتعليم غيرها من اللغات:

يكاد المرء يجزم بأن التوسع في استعمال اللغة الوسيطة في تعليم العربية, له نصيب الأسد بين اللغات, فكثير من الناس مر بتجربة تعلم لغة من اللغات دون استعمال اللغة الوسيطة, ويرى ذلك مقبولاً, ولكن الأمر حين تكون اللغة الهدف هي العربية يرى من الصعوبة الاستغناء عن اللغة الوسيطة, فلماذا يتصورون ذلك؟ في رأينا الأمر يعد إلى الانهزامية النفسية لدى العرب بعامة والتي سرت على لغتهم وكلما كانت الانهزامية النفسية أكثر عمقا, كلما كانت النظرة إلى اللغة أقل, ولذا تجاور استعمال اللغة الوسيطة في تعليم العرب القدر الذي يمكن أن يقبل.

واللغات الحية تعلم إلا فيما ندر بدون استعمال اللغة الوسيطة. وما يوجد في الأسواق منـها مما أعد باستعمال اللغة الوسيطة, فهو معد من قبل العرب أنفسهم, أو معد من قبل غيرهم لهدف تجاري بحت, وكأنهم يعرفون نفسية العربي الذي يريد كل شيء بسرعة, وإن كانت ثمرته أقل.

 

7 – طرائق تعليم اللغات واللغة الوسيطة:

تختلف طرائق تعليم اللغات في تعاملها مع اللغة الوسيطة واستخدامها, فبعض الطرق تعتمد عليها اعتمادا قوياً؛ كطريقة القواعد والترجمة, وبعض الطرق تمنعها منعا باتا؛ كالطريقة المباشرة.

طريقة القواعد والترجمة :

وهذه الطريقة من اسمها تهتم بالترجمة – اللغة الوسيطة - "ولا غرابة في أن يستخدم المدرسون في الماضي طريقة القواعد والترجمة في تدريس اللغتين اللاتينية واليونانية ؛ لأن الهدف من تعليم اللغات الأجنبية ، لم يكن تحقيق الاتصال اللغوي ، أما المدرسون الذين جاءوا بعد ذلك ، واستعملوا طريقة القواعد والترجمة في تعليم اللغات الحديثة ، فلا عذر لهم ، إذ حدث تحول في الغاية من تعليم اللغات ، فلم يعد الهدف شحذ الذكاء وتنميته ، وإنما التواصل الحي باللغة. ولعل سهولة استعمال هذه الطريقة ، هو الذي يغري المدرسين باتباعها ، وعدم الأخذ بالطرائق الحديثة في تعليم اللغات الأجنبية، التي تنسجم مع الأهداف الحديثة لتعليم اللغات الأجنبية. [1]

 

الطريقة المباشرة :

ظهرت هذه الطريقة رد فعل مباشر لطريقة القواعد والترجمة ، وقد انتشرت هذه الطريقة في كثير من الأقطار ، واكتسبت أهمية كبيرة منذ القرن العشرين ، لأنـها جاءت بأفكار جديدة ، مناقضة لكثير من المبادئ ، التي قامت عليها طريقة القواعد والترجمة ، التي أخفقت في تمكين المتعلمين من إتقان اللغة بالمستوى المطلوب . كان أول رد فعل حقيقي على الطريقة التقليدية ، يتمثل في ظهور الطريقة المباشرة .

وتحرم هذه الطريقة اللجوء إلى الترجمة ، مهما كانت الأسباب الداعية إلى ذلك ، لإبعاد المتعلم عن التأثر بلغته الأم ، والتفكير بـها في أثناء تعلم اللغة الأجنبية .

من الأهداف الأساسية التي تسعى هذه الطريقة إلى تحقيقها ، جعل المتعلم يفكر باللغة الأجنبية، سواء أكان ذلك في الكلام ، أم في القراءة والكتابة . وفي ذلك محاولة لدمجه في اللغة الأجنبية ، حتى لا يستعين بلغته الأم في أثناء تعلمها . وقد استهدفت هذه الطريقة ، أن يصل المتعلم في أقصر وقت إلى التفكير باللغة الأجنبية ، دون حاجة للترجمة من وإلى اللغة القومية ، وذلك عن طريق تعلم اللغة في مواقف محسوسة لـها معنى ، بحيث يربط بين الرمز اللغوي ومحتواه مباشرة ، دون وساطة من لغته القومية . وأكد دعاة هذه الطريقة على ضرورة تحدث المدرس بـها منذ أول لحظة في الدرس ، والتركيز على تدريب المتعلمين على نطقها واستخدامها .

يستخدم المدرس في هذه الطريقة عدة وسائل لشرح المعنى ، مثل : أسلوب العرض ، والتمثيل ، والإشارة إلى الشيء ، والترادف ، والتضاد ، والسياق ، والرسم ، والصور ، والمواد الحقيقية ، وشرح المعنى باللغة نفسها . والهدف من اتباع هذه الوسائل عدم الاضطرار لاستعمال اللغة الوسيطة .

 

الطريقة السمعية الشفهية :

لا ترى هذه الطريقة ما يمنع استعمال اللغة الوسيطة، في أثناء عملية تعلم اللغة الأجنبية. وهي تخالف في ذلك الطريقة المباشرة ، التي حرّمت اللجوء إلى الترجمة . ويتم استعمال الترجمة في هـذه الطريقة، عند عرض المفردات، وأسئلة الاستيعاب ، وغير ذلك . غير أن هذه الطريقة لا تبالغ في استخدام الترجمة ، كما تفعل طريقة القواعد والترجمة.